مقالات متنوعة

مسلمو الأويغور وجرائم الدب الصيني

مسلمو الأويغور وجرائم الدب الصيني

 علاء فاروق**

 يعيش مسلمو الأويغور حالة من الرعب والخوف جراء الأعمال الإرهابية التي تقوم بها جماعة الهان الصينية بمباركة من الحكومة الصينية، والتي تعد بحق حملة إبادة جماعية للقضاء على كل ما هو مسلم هناك؛ فمنذ أيام امتلأت شوارع إقليم “تركستان الشرقية”، والتي يسميها الصينيون ظلمًا وزورًا “سينجيانغ” أي المستعمرة الجديدة بالقتلى والجرحى وسط صمت عالمي ودولي.. إلا بعض الدول الحرة والكريمة التي نادت بوقف الإرهاب ضد المسلمين على رأسها تركيا.

 وقد طالعتنا وسائل الإعلام المختلفة من صحف وتلفاز يعرض العمليات الإرهابية التي يقوم بها الصينيون في حق المسلمين هناك، فترى الوحشية في القتل والتمثيل بالجثث وقتل الأطفال والنساء، ويبدو أن هذه الأحداث لم تكن وليدة الأيام الأخيرة فقط، بل إن مسلمي تركستان يعيشون في معاناة ومأساة منذ احتلال بلادهم من قبل الدب الصيني، كل ما سبق يجعلنا نسلط الضوء على البعد التاريخي لمأساة مسلمي تركستان الشرقية.

نظرة تاريخية

 تركستان الشرقية وتسمى أيضًا سينجيانغ، وهي دولة محتلة من قبل الصين، يحدها من الشمال الغربي كل من “طاجيكستان”، “قرغيزستان” و”كازاخستان”، ومن الشمال الشرقي جمهورية “منغوليا”، ومن الشرق مقاطعتا “قانسو” و”تشينغهاي”، وجنوبًا منطقة “تبت”، ومن الجنوب الغربي الـهند وأفغانستان، وتتمتع بنظام إداري خاص، تقع في أقصى شمال شرق البلاد. عاصمتها مدينة “أورومتشي”. كما يطلق عليها تركستان حيث إنها ذات أغلبية إسلامية. والاسم ينقسم إلى كلمتين “ترك” و”ستان”، ومعناها أرض الترك.

 وتركيبة السكان في منطقة “شينجيانغ” متنوعة. اليوغور، شعب مسلم ذو أصول تركية، هو أهم مجموعة عرقية، إلا أنه لا يشكل الأكثرية. تأتي قومية الـ”هان” الصينية في المرتبة الثانية من حيث التعداد. بقية التركيبة العرقية تتكون من: الـ”كازاخ”، قومية الـ”مانتشو”، الروس والمنغوليين.

وللمنطقة مكانة خاصة؛ ذلك أن المسلمين بها أغلبية لا أقلية، لكن وقوعها بين قوتين كبيرتين أدى لمعاناة الشعب المسلم بالتركستان الشرقية ودخوله في صراع دام حوالي قرنيين، وانتهى الصراع باحتلال أرضه، ومحاولة إذابة الشخصية الإسلامية في محيط بشري يحاول ابتلاعه، فتارة يحتل أرضه الروس في غزو قادم من الغرب، وتارة أخرى تأتيه جحافل الغزاة من الصين، وأخيرًا ضم إقليم التركستان الشرقية عنوة إلى الصين في سنة 1299هـ – 1881م. ولم يستسلم شعب التركستان المسلم للاحتلال الصيني، بل قاوم هذا الغزو في انتفاضات عديدة، وحاولت الصين تهجير الملايين من سكانها إلى التركستان لتحد من الأغلبية الإسلامية التي وصلت إلى 90% قبل سياسة التهجير، ثم انخفضت إلى 70%، وأدى هذا إلى طمس للمعالم الإسلامية بالبلاد، واكتملت مرارته بضم التركستان للصين، وأطلقوا عليها سينكيانج، أي المستعمرة الجديدة.

 وتمارس الحكومة الصينية سياسة القمع والاضطهاد لمسلمي تركستان الشرقية فأي خطوة منها لتذويب الهوية الإسلامية، وهذا واضح في تعاملها مع المسلمين هناك، والنيل من المقدسات الإسلامية هناك كالمساجد والمصاحف التي شرعت الحكومة الصينية بهدمها وتقطيع أوراق المصاحف في خطوة منها لاستفزاز المسلمين هناك، وهناك سجل مليء بالأعمال التي قامت بها الحكومة الصينية تجاه المسلمين هناك وأقل ما توصف به هذه الأعمال أنها إرهابية موجهة نابعة من حزب شيوعي ظل طول حياته يحارب كل ما هو مسلم، ومن هذا السجل:

سياسة منع الحمل

 الخطوة الأولى التي اتخذتها الحكومات الصينية تجاه المسلمين في تركستان الشرقية قيامها بتجفيف المنابع بمعنى القضاء على أطفال المسلمين هناك للحد من أعداد المسلمين على أرض هذا الإقليم وبدءوا يسلكون سياسات إرهابية تجاه المرأة المسلمة هناك ومنها سياسة منع الحمل، ولا تتوانى الحكومة الصينية في اتخاذ أي تدابير لمنع زيادة أعداد المسلمين في تركستان الشرقية، وتجبر الحكومة الصينية أفراد الشعب التركستاني المسلم على تنفيذ سياسة تحديد النسل، وممارسة أقصى العقوبات للمخالفين لهذه السياسة التي تهدف إلى خلخة التركيب الديمغرافي للسكان الأصليين لتركستان الشرقية.

 وتعترف حكومة الصين الشعبية بقلة الكثافة في تركستان الشرقية، وتعمل على نقل ملايين الصينيين من داخل الصين إليها وسياستها تجرى على توطين مائتي مليون صيني فيها، خلال الأعوام القادمة.

 والمسلمون كلهم حسب الإحصاء الرسمي وغير الرسمي لا يزيد عددهم على عشرين مليون نسمة، ومع ذلك فالنظام الشيوعي هناك يستخدم كافة الإجراءات الوحشية لمحاربة تزايد عدد المسلمين التركستانيين.

 ومن هذه المآسي التي عانت منها المرأة المسلمة هناك بلدة “ينكي” التي قدرت الإحصائية الحكومية بأن عدد سكانها حوالي مائتي ألف نسمة في عام 1991م، وأن عدد النساء اللاتي بلغن سن الحمل 35 ألف امرأة، وعندما اغتاظت الحكومة الصينية من هذا العدد القليل عملوا على ممارسة العنف والإرهاب مع المسلمات هناك، وقامت السلطات الحكومية الشيوعية بإجبار النساء على ما يلي:ـ

 9360 امرأة استخدمن اللولب.

 4200 امرأة ربط مبايض.

 9530 امرأة أسقطن جنينهن.

 7420 امرأة أخذن حقن منع الحمل.

 1070 امرأة توفين بسب الإجهاض الإجباري.

 1493 امرأة خضعن لتجارب منع الحمل.

 والنتيجة أن من تم السماح لهن من النساء بالحمل هو أقل من ألفين ومن حرم منهن من الحمل أكثر من 33 ألف امرأة، وتفيد التعليمات الحكومية بأن المنطقة التي يبلغ سكانها 180 ألف نسمة لا يسمح بتزايد سكانها عن 4 آلاف نسمة في السنة، وبشرط ألا يزيد عدد السكان الكلي على 190 ألف نسمة خلال 3 سنوات.

 مأساة خوتن

 وفي عام 1992م، بلغ عدد الرجال والنساء الذين فرض عليهم منع الحمل 27900 شخص، وتم إسقاط جنين 7100 امرأة في ولاية خوتن. وقد أدت هذه الإجراءات إلى انخفاض عدد المواليد إلى 19700 مولود، أي بنقص 11739 مولودًا عن عام 1991م.

 أما الأسرة التي تتهرب عن الالتزام بنظام تحديد النسل، فتتعرض إلى العقوبات التي نصت عليها المادة 44 من نظام تحديد النسل الذي وقعه رئيس المقاطعة في 7 أبريل 1992م، وهي كالآتي:

 1 ـ موظف الدولة يدفع غرامة مالية من 3000 إلى 10000 يوان سنويًا.

 2 ـ الموظف المدني يدفع غرامة مالية من 10000 إلى 20000 يوان سنويًا.

 3 ـ المزارع والراعي يدفع ما يساوي دخوله في العام الماضي، وقد يضاعف إلى عشر أمثاله.

مآس شخصية

 وبجانب هذه السياسة العامة التي تسلكها الحكومات الصينية تجاه مسلمي البلاد بشكل عام، توجد مآس شخصية أخرى لتؤكد مدى المعاناة التي يعانيها مسلمو تركستان، ومن هذه الحالات:

 1 ـ يفيد أحد الأطباء العاملين في مستشفى كرم باغ في مدينة كاشغر بأن أكثر من 10 حالات ولادة تتم في المستشفى المذكور يوميًا تم فيها قتل الجنين بعد ولادته مباشرة بضربة أو كتمان نفسه، ثم تحقن الأم، وهي غائبة عن وعيها بحقنة منع الحمل بدون إشعارها، ولا تتمكن من رؤية مولودها؛ لأنهم يفيدونها بأن الجنين ولد ميتًا، ثم تشحن هذه الأجنة إلى معامل في بكين وشنغهاي.

 2 ـ في 14/2/1993م، وفي القرية رقم 6 من بلدة قوما وضعت السيدة “دولت خان” مولودها الرابع، وباعت كل ممتلكاتها لدفع الغرامة المالية حتى تحتفظ بالطفل، ولكنها في اليوم السادس أجبرت على إجراء عملية ربط المبيض، ثم ماتت بعد ذلك بثلاثة أيام.

عملية “تصيين” واسعة

لم يكف الصينيون عن ممارسات العنف والاضطهاد تجاه المسلمين هناك، ومن وسائلهم المتبعة هناك للحد من انتشار العنصر البشري المسلم هناك تشجيع الزواج بين التركستانيين والصينيين، ويكافأ كل تركستاني يتزوج من صينية بمبلغ يعادل 400 دولار يدفع له فور إبرازه قسيمة الزواج.

 ويعتبر هذا المبلغ كبيرًا إذا قيس بالراتب الذي يتقاضاه الموظف هناك. وحسب وكالة الاستعلامات الخارجية، فإن الشباب التركستانيين العاملين في القرى النائية إذا تزوجوا بالصينيات يحصلون على عمل براتب مغرى في المدن. في حين يمنع الصيني العامل في القرية من مجرد القيام بقصد الإقامة في تلك المدن.

 أما الشاب التركستاني المتزوج بالصينية، فإنه يكافأ بألف دولار، إضافة إلى عمله الجديد في المدينة. والمولود من هذين الزوجين يحظى برعاية الحزب الشيوعي ويسجل في النفوس على أنه من الأقليات الصينية، وتقول الوكالة في نشرتها بأن التركستانيين يقاطعون كل من يتزوج بصينية من بين أبناء جلدتهم, ويطردونهم من مجالسهم وقد وضع الصينيون شروطًا جزائية قاسية لمن يريد تطليق الزوجة الصينية، ومن هذه الشروط دفع نفقة الزوجة المطلقة، وتقدر بألفي دولار كحد أدنى.

ومن النادر أن تجد إنسانًا يستطيع دفع مثل هذه النفقة، ولذلك فإن كثيرًا من هؤلاء الشباب يقدمون على الانتحار، وهذا نوع آخر من أنواع حرب الإبادة ضد المسلمين التركستانيين.

 وكما ذكرنا أن الحكومة الصينية تعمل جاهدة على تقليل أعداد المسلمين في تركستان الشرقية بقدر الإمكان، وتتخذ العديد من الإجراءات لتحقيق هذا الغرض، ومن أبرز هذه الأمور قيام الصين بإجراء عدة تفجيرات نووية بتركستان الشرقية كان لها أبلغ الأثر في إفساد الأراضي الزراعية وسكان تركستان الشرقية، برغم التحذيرات الدولية التي حذرت الصين من الإقدام على هذا الإجراء.

 35 تجربة نووية

على الرغم من الموقف الدولي لإيقاف تفجيرات النووية والنداءات المتكررة، فإن الصين أصرت على تنفيذ تجربتها النووية التي قدرت قوتها ما بين 10 ـ 40 طنًا من مادة “تي. إن. تي” في موقع التجارب النووية بمنطقة لوب نور قي تركستان الشرقية في يوم الجمعة 10/ 6/1994م.

 فمنذ عام 1964م، أجرت بكين 35 تجربة نووية في أراضي تركستان الشرقية دون اتخاذ أي تدبير من شأنه حماية المدنيين من أخطار التلوث النووي. وقد أثرت هذه التجارب تأثيرًا سيئًا على المحاصيل الزراعية وعلى الإنجاب، وفي عام 1990م مات عدد كبير من المسلمين في تركستان الشرقية بأمراض غير معروفة.

 حرق وتمزيق المصاحف

 لم تكتف الحكومة الصينية الشيوعية بما تفعله في مسلمي تركستان الشرقية، بل أقدمت على أعمال أخرى بهدف استفزاز المسلمين هناك، ومنها المساس بمقدسات المسلمين هناك، ومن أبرز هذه الاستفزازات تمزيق وحرق القرآن الكريم الذي يحتل مكانة كبيرة في نفوس المسلمين.

 ففي يونيو 2002م أعلن مركز تركستان الشرقية للمعلومات بميونخ، أن السلطات الصينية قامت بإتلاف نسخ من القرآن الكريم وإحراقها بولاية “كاشغر” مع آلاف الكتب الدينية والقومية الأخرى.

 محنة التنصير في تركستان الشرقية

 وتعد حملات التنصير معاناة أخرى تضاف إلى سجل المعاناة التي يتعرض لها المسلمون هناك، وكانت أقسى حملات التنصير تلك التي واجهوها في مطلع القرن العشرين؛ وذلك لأن الصين لما تشكله من كثافة سكانية كانت محط أنظار المنصرين الغربيين، وخصوصًا بعد أن رضخت للسيطرة الأوروبية.

 وفي مطلع القرن العشرين، انعقد في أدنبرة “أسكوتلندا” المؤتمر التنصيري العالمي ونص أحد القرارات التي اتخذت في المؤتمر على تشكيل لجنة مهمتها دراسة سبل إقامة بعثة تنصيرية “تبشيرية” دائمة في الصين للعمل تحديدًا في صفوف المسلمين.

 ونتج عن هذه الحملات هجرة الآلاف من المسلمين إلى بلدان آسيا والشرق الأوسط، وأحفاد هؤلاء كانوا يعرفون في الغرب بـ “البخاريين” نسبة إلى بخارى.

 وأصبحت هذه الحملات تأخذ الشكل التنظيمي للوصول إلى كل ما هو مسلم بأي طريقة وأصبحت هذه الحملات مدعومة بشكل كبير من رجال الأعمال والسياسة.

وطالت هذه الحملات المدارس منذ المراحل التأسيسية من المعاهد والجامعات والنقابات ومختلف القطاعات المهنية في المجتمع إلى “حلقات التثقيف للراشدين” في الأرياف والأماكن النائية التي أشرف عليها جيش منظم من الأيديولوجيين العتاة.

 وأصدرت السلطات الشيوعية مراسيم قررت فيها منع الأطفال من التعليم الديني قبل أن يبلغوا 18 عامًا من العمر، وأن يكون التعليم الديني بعد هذه السن في معاهد تشرف عليها السلطات الشيوعية، وتواصلت الحملات الأيديولوجية على هذا المنوال.

 ويقول الباحث التركستاني “توختي آخون آركين” أن الغاية من ذلك هو تأهيل الموظفين الذين يستطيعون تطبيق سياسة تسخير الدين لأهداف الحزب الشيوعي، وهذا ما شرحه بالتفصيل كتاب “التوحيه في تفعيل الاشتراكية بالدين” الذي وضعه قسم الجبهة المتحدة في الحزب الشيوعي الصيني لولاية كاشغر بالاتفاق مع الإدارة الدينية للأقليات في محافظة كاشغر؛ إذ ضم الكتاب دروسًا ومحاضرات فيها كيفية طمس وذوبان الدين الإسلامي، وهذه المحاضرات ألقيت في ندوة ضمت 48 شخصًا من رجال الدين، و24 شخصًا من رؤساء الإدارة الدينية الحكومية، و20 شخصًا من مسئولي المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، و43 شخصًا من مدرسي الدين، وعقدت هذه الندوة في كاشغر عام 1994م، وصدر عن هذه الندوة قرارات عدة تحارب الدين الإسلامي، وهي:

 1- يمنع تنظيم حلقات حفظ القرآن الكريم، وتعليم أحكام الدين في المساجد والمنازل، وأن يتم ذلك فقط في المعاهد الإسلامية التي تفتح في المدن الرئيسية تحت إشراف السلطات الشيوعية.

 2- يمنع ترميم المساجد وإصلاحها أو بناء الجديد منها إلا بإذن رسمي من السلطات الرسمية.

 3- يمنع تدخل العلماء الإسلام في الأحوال الشخصية الإسلامية مثل عقود النكاح والطلاق، والميراث، وتحديد النسل والتعليم وجمع الزكاة أو صرفها.

4- تسخير المفاهيم الإسلامية في ترويج النظام الشيوعي، وتأييد ممارسة السلطات الصينية لأعمالها، ويمنع الإشارة إلى أي مفهوم ديني ينتقد الفكر الماركسي المادي الشيوعي الصيني.

 5- رجال الحزب الشيوعي الصيني لا يمارسون شعائر الدين؛ لأنهم العاملون بنظامه ومنفذو تعاليمه أو لا يحق لأي كان أن يحتقرهم، ويسيء إليهم؛ بسبب مواقفهم من الدين.

 6- يمنع اتصال الهيئات الدينية ورجالها بالمؤسسات الإسلامية وشخصياتها في خارج الصين، كما يمنع تلقي المساعدات منهم من دون تصريح حكومي، ويمنع السماح لأي عالم أو إمام أجنبي أن يؤم المسلمين أو أن يخطب فيهم في المساجد.

 7- يحظر على غير الإمام الرسمي الإقامة والخطابة، كما تمنع الصلاة أو الوعظ في غير المساجد التي تفتح بإذن السلطات الرسمية وتحت إشرافها، ومن يخالف هذه التعليمات يتعرض لأحكام شرسة تتمثل في السجن المؤبد أو السجن مع الأعمال الشاقة لفترات تتراوح بين 5 أعوام و20 عاما.

ثورات المسلمين في وجه الدب الصيني

لم يقف المسلمون مكتوفي الأيدي تجاه الأعمال الإرهابية التي تمارسها الحكومات الصينية ضدهم بهدف تذويب هويتهم الإسلامية، فقامت على إثر هذه الاستفزازات عدة ثورات إسلامية لمحاولة صد هذه الهجمات الشيوعية.

 بدأت هذه الثورات عندما احتل الشيوعيون الصينيون تركستان الشرقية في الثالث عشر من أكتوبر عام 1949م، وفي هذا التوقيت بدأت حركات المقاومة للاحتلال الصيني، حيث تجمع حوالي 300 مجاهد في ولاية آراتورك وما حولها بولاية قوموك، وأرسلوا مندوبين عنهم إلى المناطق والقرى المجاورة، ليبلغوهم بأنهم بدءوا الثورة المسلحة ضد المحتلين الصينيين، ويدعونهم إلى التضامن معهم.

 وفي الثلاثين من يناير عام 1950م، اجتمع في حي بولوك باشي باراتورك أكثر من 500 مجاهد بزعامة مؤسسي الجهاد الذين كانوا نواة للجيش الشعبي لمقاومة الشيوعية، ومنذ ذلك اليوم، وخلال عامين كاملين، حدثت غارات مسلحة على القواعد العسكرية الصينية، وكانت لها نتائج إيجابية، وتجمع في المناطق الجبلية من أورومشي أكثر من 2000 مجاهد بقيادة قاليبك، ووضعوا نصب أعينهم طرد الصينيين الشيوعيين من تلك المناطق وتأسيس دولة مستقلة، واستمرت الحروب بين الطرفين أكثر من عام.

– وفي الشهر الثامن من عام 1949م، انسحب المجاهدون إلى مدينة بش بالاليف بجوار التاي، وهناك انقسموا إلى قسمين قسم توجه إلى أورومشي وما حولها وقسم آخر توجه إلى قومول وباريقول، وفي شهر إبريل من عام 1950م، التقى المجاهدون بقيادة عثمان باطور بمجاهدي قومول، وبدأت حركة مسلحة قوامها 20 ألف مجاهد، واستمرت المعارك بين المجاهدين وقوات الاحتلال أكثر من عامين، قتل فيها أعداد كبيرة من جيش الاحتلال، وقضى كثير من الشباب التركستانيين نحبه دفاعًا عن تراب الوطن.

 – وفي عام 1951م، اجتمع في غولجا مجلس المثقفين، وطالبوا بالاستقلال السياسي منذرين حكومة الاحتلال بقرب نشوب الثورة المسلحة العارمة في جميع أنحاء البلاد، وكان رد فعل هذه الحكومات المحتلة أعضاء المجلس واحدًا بعد آخر وأعدمتهم جميعًا.

في عام 1953م، حدثت ثورة شاملة في جميع أنحاء القرى التركستانية الشرقية، لكن الجلاد الصيني “وانغ جين” أخمد هذه الثورة بشكل دموي فظيع، كما اعتقل مئات الألوف من الوطنيين والمثقفين والعلماء ودمر كثيرًا من القرى تدميرًا كاملاً، وحول البلاد إلى حمامات دم.

 وفي عام 1954م، عقد مؤتمر حزب النجاة بقيادة الشيخ عبد الحميد وفتح الدين محسوم، وتقرر في هذا المؤتمر الدخول في ثورة مسلحة، اعتبارًا من يوم 15 نوفمبر 1955م، وبدأت الثورة المسلحة في اليوم المحدد، واستولى المجاهدون على مسجد “تجوي”، وأطلقوا سراح المعتقلين، ولم تدم هذه الحركة طويلاً لكن نتائجها كانت كبيرة، إذ عبرت عن الإدارة الحقيقية للشعب التركستاني وقوة الرغبة في بلوغ أهدافه.

 وفي شهر مارس من عام 1956م، بدأت حركة مسلحة في مدينة قراقاش بزعامة الشيخين عبد الباقي وعبد الصمد، وحقق أكثر من 800 مجاهد هجومًا على وحدات الأرض المسلحة الصينية قتلوا فيها المئات من جنود الاحتلال الصيني واستشهد من المجاهدين مائتان.

وفي الشهر العاشر من عام 1958م، قام أكثر من 700 عنصر من الجيش الوطني بقيادة علي قربان بعملية مسلحة في منطقة طائري داغ، فدخلوا دار الحكومة، واستولوا على كميات مهمة من الذخائر الحربية، كما قطعوا خطوط الاتصالات، وأطلقوا سراح السجناء، وألقوا في قلوب الصينيين الرعب، فغادر كثير من المهاجرين الصينيين أراضي تركستان الشرقية عائدين إلى بلادهم الأصلية.

 كفاح منظم وسري

 وفي الثمانينيات دخل كفاح الشعب التركستاني الشرقي من أجل الاستقلال مرحلة جديدة، فصارت التنظيمات أكثر سرية ودقة، وانتشر الوعي الوطني وتيقظ الشعور القومي في كل الأصقاع.

 وفي الفترة ما بين 1980م و1989م، قام الشعب التركستاني بعدة انتفاضات كان بعضها دمويا، واشتركت فيها جميع فئات الشعب من الطلبة والتجار والمزارعين والحرفيين والمثقفين وعلماء الدين، وقد شهدت الفترة نفسها إحدى عشرة انتفاضة قام بها الطلبة رفعوا فيها شعارات تطالب بسقوط الشيوعية في الصين، والحرية لشعب تركستان، وفي عام 1981م قام هؤلاء الشباب فيما بعد بهجوم على مديرية الأمن في المدينة، واستولوا على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر.

 وفيما بين عامي 1989م- 1991م، نشأت أحزاب وطنية أخرى مثل حزب طائري داغ وحزب شرارة الشباب، كما قام هذا الشعب الأبي بثورات قوية في عدة مدن، وتصاعدت حدة الثورات إلى حد الانفجار الشعبي المطالب بالاستقلال والحرية، ولم تجد الحكومة بدا من إخماد هذه الثورات بالحديد والنار، وقد راح ضحيتها 10 آلاف شاب من خيرة شباب تركستان الشرقية.

 ثورة كبرى

 أما الثورة الكبرى، فقد وقعت في منطقة “باين” المتاخمة لقازاقستان في عام 1990م، وراح ضحيتها أكثر من مائتي ألف شخص من خيرة شباب الوطن، لقد استمرت هذه المعركة شهرًا، وأقامت الحكومة خلالها جسرا جويا بين باين وبكين لمسافة 5 آلاف كيلومتر، وتم تدمير المنطقة تدميرًا كاملاً، ولم يتركوها إلا وقد أصبحت قاعًا صفصفًا.

وقد كانت محصلة هذا القهر الصيني وسياسته مزيدًا من الإيمان بعدالة قضية تركستان الشرقية، ولكنه تمخض من جانب الصين عن مزيد من الاعتقالات لمئات الألوف من الشباب والشيوخ والزج بهم في غياهب السجون.

إن في تركستان الشرقية وحدها 190 سجنًا ومعتقلاً للأعمال الشاقة، وخلف هذه السجون والمعتقلات هناك أكثر من 80 ألف تركستاني يعيشون تحت السياط في ظل ظروف غير إنسانية، والمؤلم أن أغلب هؤلاء السجناء والمعتقلين هم من المناضلين الشرفاء من المثقفين والسياسيين ورجال الدين وطلبة العلم الإسلامي من الذكور والإناث.

 الأحداث الجارية

 منذ أيام عادت حملات التطهير العرقي والإبادة الجماعية في حق مسلمي تركستان الشرقية عندما نزلت جماعات من إثنية “الهان” الصينية، التي تشكل غالبية السكان في الصين، إلى شوارع مدينة أورومتشي المضطربة – عاصمة إقليم تركستان الشرقية – وهم يحملون السلاسل والمطرقات والقضبان الحديدية، باحثين عن أهداف من مسلمي الأويغور، في وقت تمَّ فيه فرض حظر التجوال على المدينة.

 وتمَّ فرض حظر التجوال في المدينة بعد يومين من أعمال الشغب في أورومتشي – عاصمة الإقليم – والتي خلفت حتى الآن ما يقرب من 184 قتيلاً، وأكثر من 100 جريح، و1450 معتقلاً.

 وأعرب الأويغور عن أسفهم من معاملة قوات الأمن التي وصفوها بأنها كانت أكثر قسوة وعنفًا معهم، من معاملتها للهان الصينيين، وقالوا: إنهم خائفون للغاية، ولا يعتقدون أن الشرطة تستطيع حمايتهم، وأضاف شهود عيان: إن كل ما تفعله الشرطة مع الهان هو دفعهم إلى الوراء، وجعلهم يتفرقون، ولكن لم يأخذوا أسلحتهم.

 ووقعت الاشتباكات عندما كان مسئولون حكوميون يرافقون وفدًا من الصحفيين في جولة في أورومتشي، وأحاط رجال الشرطة بالمتظاهرين المسلمين الذين جلسوا على الأرض، إلا أنهم بدءوا بمغادرة المنطقة بعد انصراف الصحفيين منها.

 وذكرت صحيفة “التايمز” البريطانية في تقرير لها في 7 يوليو أن قومية “الهان” تعتبر الآن العنصر الجوهري في توحيد سكان الصين مع تراجع الأيديولوجية الشيوعية، ورغم أن الأويغور المسلمين لم ينتفضوا علي الشيوعية، لكن تذويب قوميتهم قسرًا هو ما يزيد الاضطرابات.

وأضافت المجلة” أن قومية الهان التي تشكل 90% من السكان تهدف إلى إقناع كل الصينيين بأنهم عائلة عرقية واحدة، وترفض أي انشقاق من جانب الأقليات، لكن هذا الأمر ينكر على الصين تنوعها الثقافي والإنساني، ويعمي بصيرة بكين عن الحقوق التي يتعين عليها الاعتراف بها”.

 وخلصت الصحيفة إلى القول إن أعمال العنف في مدينة أورومتشي عاصمة إقليم شينجيانج يجب أن تؤدي إلى تغيير، إلا أن النتيجة المحتملة علي عكس ما سبق وهي الإنكار والقمع والابتعاد أكثر عن الحقوق الأساسية للأقليات والعرقيات المختلفة.

 وكان أكثر من 180 شخصًا قد قتلوا وأصيب أكثر من ألف آخرين بجروح في أعمال العنف التي اجتاحت مدينة أورومتشي في 5 يوليو، وامتدت بعد ذلك إلى مدينة كاشغار في إقليم شينجيانج ذي الأغلبية المسلمة، وذلك في ثاني اضطرابات عرقية كبيرة تشهدها الصين خلال 18 شهرًا، حيث قتل العشرات في مارس 2008م في احتجاجات لرهبان بالتبت يطالبون بحقوق أكبر للبوذيين.

 تزوير الحقائق

 ورغم المسئولية الواضحة للشرطة الصينية وإثنية “الهان” في تنفيذ ما وصف بالمذبحة ضد المسلمين، فإن وسائل الإعلام الصينية الحكومية سارعت إلى اتهام المتظاهرين المسلمين بتدمير الحواجز التي وضعتها الشرطة في الطرقات وحرق السيارات والمحال التجارية، كما عرض التليفزيون الصيني صورًا لأفراد من إثنية الهان والدماء تنزف منهم جراء قيام الأويغور بالاعتداء عليهم.

 ولم يقف الأمر عند ما سبق، حيث اتهمت الحكومة الصينية الانفصاليين الأويغوريين الناشطين خارج البلاد بتدبير وتنظيم هجمات منسقة ضد صينيين من قومية “الهان”، والتي تشكل أقلية في إقليم شينجيانغ الذي تسكنه أغلبية مسلمة.

 كما وجهت حكومة إقليم شينجيانغ اللوم فيما حدث من أعمال عنف إلي الأويغورية ربيعة قدير، وهي إحدى زعيمات الأويغوريين، وتعيش في منفاها في الولايات المتحدة.

 واتهم رئيس حكومة الإقليم نور بكري رئيسة مؤتمر الأويغور العالمي ربيعة قدير بأنها كانت وراء تجييش الأويغوريين، وتحريضهم وتحدث عن اتصالات هاتفية أجرتها مع أشخاص في الصين من أجل التحريض وعن مواقع استعملت لنشر الرسائل التحريضية.

 وزعم أن التحقيقات الأولية تظهر أن العنف كان من تدبير وتنظيم “المجلس العالمي للأويغوريين” الذي تتزعمه ربيعة قدير، وأن التحريض على العنف وتنسيقه كان يدار من الخارج.

 إلا أن المنفيين من الأويغوريين نفوا صحة ما سبق، وأكدوا أن الاحتجاج كان سلميا، وتحول إلى ضحية لعنف الدولة، حيث فتحت الشرطة نيران أسلحتها بشكل عشوائي على مظاهرات سلمية.

 وتحدث رئيس “الجمعية الأويغورية للتعاون مع تركستان الشرقية” عبد الحكيم تكلامكان، خلال تصريحات له من إسطنبول، عن أكثر من 600 قتيل وآلاف الجرحى والمعتقلين في الأحداث، قائلاً: إنه من الصعب رسم صورة دقيقة للوضع بسبب ما سماه التعتيم الإعلامي الصيني علي ما يحدث هناك.

وحملت ربيعة بدورها في بيان إلكتروني الأمن الصيني مسئولية ما حدث، قائلة: إنه بالغ في قمع احتجاج سلمي لطلبة من الإيغور. كما تحدث ديل شات راشيت المتحدث باسم مؤتمر الأويغور العالمي من منفاه بالسويد عن غضب يتزايد منذ مدة طويلة، قائلاً: إن الأويغور تعبوا من المعاناة في صمت.

 ولعل إلقاء نظرة على وضع قومية “الأويغور” قد يدين الحكومة الصينية أكثر وأكثر؛ فالأويغور المسلمون يشكلون إحدى الأقليات في الصين، ويزيد عددهم على 8 ملايين نسمة.

 وخلاصة القول أن دماء المسلمين الأويغور ما زالت تراق وتنزف وسط صمت وعجز دولي وعربي حتى كلمات الإدانة لم تسمع من حاكم عربي أو مسلم ولم ينتفض من هذه البلاد إلا تركيا عندما أعلنت رفضها ما أسمته بحملة الإبادة الجماعية؛ فهل سينتفض العالمين العربي والإسلامي لإنقاذ أطفال المسلمين هناك أم يقف العالم بأسره موقف المتفرج؟ وما زالت الدماء الإسلامية التي نزفت على أيدي الملحدين والشيوعيين تنتظر من ينقذها، ويدافع عنها.

 ـــــــــــــــــ

 المصادر والمراجع:

 1- تركستان المسلمة وأهلها المنسيون، د. عبد القادر طاش – دار الفتح للإعلام العربي – الطبعة الأولى 1999.

 2- العالم الإسلامي في أوائل القرن العشرين “مسلمو تركستان”، د. عبد الرشيد إبراهيم – المجلس الأعلى للثقافة 1998

 3- صحيفة الراية القطرية، مقال بقلم هيثم محمد الأشقر بتاريخ الثلاثاء 14-7-2009

 4- جريدة الوطن الكويتية، يازابيل مالتور بعنوان “إقليم سنكيانج الصيني في حالة غليان” 10 ديسمبر 1993

 5- جريدة الحياة، محمد وردة – مقال بعنوان “تركستان الشرقية ومحنة التبشير الأوروبي” بتاريخ 31 يناير 1997

 6- جريدة المدينة، بقلم: دولقون عيسى – مقال بعنوان “قصة كفاح تركستان الشرقية ضد الشيوعية “.

 ** كاتب متخصص في الدراسات الآسيوية.

 المصدر: الوسطية أون لاين.

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق