حول نشأة الأويغور وعن وطنهم الأم
الأويغور أحد الفروع الأساسية للشعوب التركية، إنه شعب عريق أبدع حضارة باهرة بطول تاريخه وشجاعته وذكائه ونشاطه، وأسهم إسهامات خالدة في خزينة الحضارة الإنسانية.
فالأويغور إخوة من النسب مع الهون والترك من حيث النشأة، وينتمون إلى مجموعة لغات آلتاي من حيث اللغات التركية.
ولفظ “الأويغور” لم يكن في البداية اسمًا قوميًا، فهو اسم يدل على الوحدة السياسية للقبائل المتحدة تحت اسم الأويغور.
يُذكر في كتاب “شجرة الترك” لبهاردخان عن هذا الاسم التالي: “إن لفظ الأويغور اسم أُعطي من قِبل أوغوزخان للقبيلة التركية أكثر شجعانًا، وأقوى اتحادًا فيما بينها، وشجاعتهم الباسلة في الحروب، وإخلاصهم لوطنهم وشعبهم”.
ويستمر أبوالغازي في كلامه ويقول: “إن لفظ الأويغور يأتي بمعنى الاتحاد والاتفاق والوحدة، فأعطى هذا الاسم لوجود هذه الخصائص فيهم”.
ويستدل على هذا الرأي المستشرق الأكاديمي الروسي رادلوف (توفي 1890)، والمؤرخ رشيد الدين فضل الله في كتابه: “جامع التواريخ” بالفارسية.
ولكون اتحاد القبائل الأويغورية تتكون من تسع قبائل، وأحيانًا من عشر قبائل، تسمى في بعض المصادر التاريخية بـ”الأوغوز التسعة”، وفي المصادر الصينية القديمة تذكر باسم “الترك التسعة”.
(1)
حول الوطن الأصلي للأويغور
الوطن الأم للأويغور هو تركستان الشرقية الذي يقع في آسيا الوسطى، والأدلة التاريخية الأثرية تثبت هذا برأي واحد باعتراف العلماء والباحثين.
إذ تعد الظروف الجغرافية من أهم العوامل التي تؤثر في تطور المجتمع الإنساني. على سبيل المثال: الشعب الذي استقر حول ضفاف النهر، وتهيأت له ظروف الزراعة اشتغل بالزراعة، وعاش حياة مستقرة، ووضع قدمه للحضارة مبكرًا. والشعب الذي يعيش في سفوح الجبال والمراعي اشتغل برعاية المواشي، وعاش حياة غير مستقرة، والذين يعيشون في الغابات اشتغلوا بالصيد.
الحضارة تطورت من قديم الزمان في آسيا الوسطى بنهره الواسع الذي يضم أرضًا خصبة للزراعة وغابات كثيفة ومراعي جميلة. وبمرور الدهور والعصور تغيرت الظروف الطبيعية وجفت الأنهار، واحتلت الرمال مكان البحر والحوض الكبير، فأصابها القحط والجفاف. مثلاً، بحر الكاسبي وحوض بالقاش وحوض لوبنور وحوض سايرام وحوض باغراش وخليج آرال والحوض الصغيرة والكبيرة الموجودة الآن في آسيا بقايا البحر الكبير سابقًا.
قبل 10 آلاف سنة من هذا التاريخ شرع أجدادنا الذين بقوا في رعب الجفاف والقحط، أن يهاجروا وينتقلوا من آسيا الوسطى للأطراف والضواحي. وارتحل مجموعة من الأويغور الذين يعيشون في وادي تاريم إلى ناحية نهر الأصفر القريب لهم، ومجموعة أخرى بقوا واستقروا في وادي تاريم بشكل مستمر، فالذين هاجروا إلى ناحية نهر الأصفر استوطنوا فيما بعد في وادي الأرخون في منغوليا وضفاف حوض بايقال، والذين يسمون في التاريخ باسم «الهون والترك والأويغور» هم أجداد الذين هاجروا من وادي تاريم.
مع أن الأويغور سمي في التاريخ باسم “تورالار= توران= تِلِي” قبل عصور طويلة من الميلاد، إلا أنهم ذُكروا قبل ثلاثة قرون فقط من الميلاد في المصادر الصينية القديمة، فهم عاشوا في مساحات واسعة بدءًا من جنوب حوض بايقال في الشرق، وفي ضفاف إيرتش وحوض بالقاش في الغرب وفي آسيا الوسطى، واشتغلوا بالزراعة ورعي المواشي والحرف والصيد؛ نظرًا للظروف الطبيعية لهذه المناطق.
نُشر مقال تاريخي في جريدة سنكيانغ (تركستان) بتاريخ 24/2/1981، وفي جريدة الشعب بتاريخ 17/2/1981. وفي هذه المقالة أن لجنة البحوث الأثرية في أكاديمية الفنون الاجتماعية في أورومجي أخبرت عام 1979 بأنها عثرت على جثتين من مقبرة ابتدائية حول نهر كونجي في مدينة لوبنور. وحسب بيان الجريدة، فإن إحدى هذه الجثث كانت لامرأة شابة، والأخرى لطفل. وأعلن معمل الكاربون 14 كلية الجغرافيا في جامعة ننجن في الصين، عن طريق تحليل الأخشاب والأشياء الأخرى الموجودة في المقبرة، أن الجثتين يرجع تاريخها إلى ما قبل 6412 سنة. وهذه الجثة أو المومياء تعتبر من أقدم الجثث التي عثر عليها حتى الآن في تركستان الشرقية، وحتى في الصين.
وهاتان الجثتان وما عُثر بهما من أشياء مثل الخشب وجلد الغنم والقماش غليظ النسيج وسلة مصنوعة من عُشب والحنطة ذات أهمية كبرى في دراسة الحضارة القديمة لتركستان الشرقية، وبحث الخصائص البيولوجية للتركستانيين، وكذلك في دراسة الزراعة ورعي المواشي والنسيج والحرف وأدوات الزينة.
وجثة المرأة كانت ملفوفة بقماش غليظ النسيج، وغطيت رأسها بغطاء من اللبادة، وشعرها الطويل المائل للأصفر يتدلى إلى منكبيها، وعينها كبيرة، وحواجبها طويلة، وناصيتها عريضة.
الجثتان السابقتان تجيبان إجابة مقنعة عن المسائل الهامة عن الوطن الأم للأويغور ونشأتهم العرقية وحضارتهم، وتدل دلالة قاطعة على أن جزءًا من الشعب الأويغوري هاجر إلى منغوليا القربية لهم بسبب القحط والجدب الذي أصاب وطنهم الأم قبل عشرة آلاف سنة. وهاتان الجثتان المدفونتان قبل 6412 سنة تثبتان بلا شك بأن الأويغور عاش ويعيش في وادي تاريم في تركستان الشرقية منذ زمن طويل جدًا.
وهذا الدليل يرفض ويدمغ كلام بعض المؤرخين الذين يقولون “بأن الأويغور هاجروا إلى تركستان الشرقية من وادي المنغول في سنة 845م، وأن الأويغور لم يكن موجودًا في تركستان الشرقية”. ولماذا لم يُذكر هذا الكلام إلا فى المصادر الصينية؟ ولماذا لم تذكر هذه القصة (قصة كاذبة) في “ديوان لغة الترك” لمحمود الكاشغري، وفي “قوتادغوبيلك” ليوسف خاص حاجب ولو كان سطرًا؟ ولم تُسجل هذه القصة الكاذبة حتى في المؤلفات البوذية لأويغور إديقوت، مع أنه وُجد في ذلك الوقت ترجمة الإنجيل بالأويغورية! ولمْ تُشر إلى هذه القصة أية مؤلفات فارسية أو هندية بأية إشارة. وهذه القصة غامضة تطرح ألف سؤال في مصداقيتها!
توقيت دفن الجثث، وتغطيتها بقماش منسوج من الوبر، وخروج الخشب وسلة الحصير من المقبرة، ووجود حب الحنطة المحفوظ في السلة سليمًا، كله يدل على الحضارة التي بدأت في وادي تاريم منذ زمن بعيد للغاية، وأن أجدادنا اشتغلوا بالزراعة والحرف اليدوية ورعاية المواشي.
والجثث والأشياء التي عثرت من لوبنور في تركستان الشرقية أثبت كلام المؤرخ مورجان الذي كان قد قال: “مفتاح الحضارة العالمية مدفون تحت وادي تاريم، ومتى يُعثَر على هذا المفتاح فسيتضح سر الحضارة العالمية”.
فالعالم اليونانى ب. تولومي الذي عاش في القرن الثاني من الميلاد كتب في كتابه المسمى: “الجغرافيا” المكون من عشرة أجزاء، في باب “طريق الحرير” (دولة سرسلار) عن الأويغور، وأعطى معلومات مفصلة تفيد بأن الشعب الذي يعيش في وادي تاريم هم الأويغور، وأنهم يُربون دودة القز، وينسجون منه القماش الفاخر من الحرير؛ وكذلك ترك معلومات مفصلة إلى حد ما عن الظروف الطبيعية لوادي تاريم.
اعتمادًا على المعلومات في “تقويم سلالة وي” الصينية، قويت شوكة قبيلة جورجان- يسميه الأوربيون (آوارلار)- المتتركة في القرن الرابع، وغلبت هذه القبيلة على الأويغور في منغوليا، والأتراك في آلتاي. وأجبرت الأويغور والترك على الخدمة العسكرية ضمن جيش جورجان. وكانت مساحة خانية جورجان تمتد من الجنوب الغربى إلى مدينة قاراشهر، وفي الغرب إلى وادي إيلي (غولجا الحالية)، وفي الشرق إلى مدينة كوريا، وعاصمتها كانت في منطقة كانسو (الحالية).
وفي عام 487م تمرد جزء من الأويغور في وادى المغول على الجورجان، وهاجروا إلى شمال وادي جونغاريا في تركستان الشرقية. والذين هاجروا من الأويغور في تلك المرة إلى تركستان الشرقية يصل عددهم 600 ألف نسمة، ومكونة من 120 ألف أسرة.
بعد تمرد الأويغور يلاحق جيش جورجان وراء الأويغور تحت قيادة قائدهم تولون (487-492)، ويلتقي الفريقان في جنوب جبل آلتاي، وينتصر الأويغور على الجورجانيين. وبعدما غلب الأويغور على الجورجانيين سنة 487م شكلوا دولة تسمى “خانية العربات الطويلة” متحدين مع إخوانهم الأويغور في تركستان الشرقية. وهذه الخانية تحكم لمدة 59 سنة (487-546)، وتتخذ مدينة ماناس عاصمة لها. وتضم مساحتها مدينة آلتاي في الشمال، ومدينة قومول في الشرق، ووادي إيلي في الغرب، ومدينة قاراشهر حتى لوبنور في الجنوب.
فهجرة جزء من الأويغور عام 487 من منغوليا إلى تركستان الشرقية تعتبر عودة إلى أحضان إخوانهم من جنس واحد، وإلى وطنهم الأم.
ذكرت في “تقويم سلالة تانغ” الصينية عن أسباب هجرة الأويغور من وادي المغول إلى تركستان الشرقية سنة 845 م، ومصيرهم فيما بعد كالتالي:
اتجهت دولة الأورخون الأويغورية التي حكمت 100 سنة (744-840 م) للزوال، بسبب النزاع الداخلي، وتمرد القرغيز التابعين لهذه الخانية، وسقوط المطر بغزارة، والآفات الطبيعية وهلاك المواشي بكثرة، وانتشار مرض الوباء، فالأويغور الذين عانوا وتعرضوا لمثل هذه الشدائد بدءوا ينتقلون من وادي المغول منقسمين لأربع مجموعات.
المجموعة الأولى: الأويغور الذين توجهوا تحت قيادة ئوكي تكن نحو الجنوب، واقتربوا من مدينة خبي وسنشي وشنشي الحالية، وبعد فترة حاول هؤلاء أن يقيموا دولتهم من جديد، وقرورا الانتقال للشمال، وعندما خاب ظنهم هلكوا، وعددهم كان حوالي 300 ألف نسمة.
المجموعة الثانية: معظم الأويغور الذين هاجروا للغرب (غرب تركستان= آسيا الوسطى) استوطنوا في مناطق يدي سو وأرض قرغيزستان الحالية، وانضموا لإخوانهم من القارلوق.
المجموعة الثالثة: توجهت مجموعة ثالثة من الأويغور إلى كانسو، وأقاموا هناك دولة. واستمرت هذه الدولة من سنة (870 حتى 1031)، ثم قضت عليهم خانية تانغوت (التبت). وعددهم كان حوالي 200 ألف نسمة، وانصهر هؤلاء بالتدريج مع التبت والصينيين.
المجموعة الرابعة: اتجهت مجموعة أخرى تحت قيادة القائد فانتجن، أمير دولة الأورخون، واستوطنوا ما بين منطقة آلتاي وجبال تنغري، وحددوا مدينة بشبالق (أرومجي) العاصمة الصيفية للدولة الأويغورية الجديدة، ومدينة إديقوت (تورفان) للعاصمة الشتوية.
واستوطن 200 ألف من الأويغور الذين هاجروا للغرب تحت قيادة الأمير فانتجن في منطقة وادي تاريم. والسكان الذين كانوا يعيشون في وادي تاريم وما يجاورها في تلك اللحظة كان يزيد عددهم عن (1000000) مليون نسمة، نظرًا للمعلومات التي وردت في التقويم الصيني. فهؤلاء السكان الأصليون كانوا يعتقدون العقيدة البوذية، والأويغور الذين هاجروا من وادي المغول كانوا يعتقدون العقيدة المانوية.
ولو قيل: لم يكن الأويغور موجودًا في منطقة تركستان الشرقية قبل هجرة الأويغور من وادي المغول. نقول: الأويغور الذين هاجروا من وادي المغول كانوا أقل عددًا من حيث العدد، وأقل قدرًا من ناحية الثقافة، وكانوا مختلفين في العقيدة عن السكان الأصليين في تركستان الشرقية. إذن فكيف استطاعت الفئة القليلة أن تجعل السكان الأصليين المتحضرين من جملة الأويغور؟ وكيف استطاعت أن تجعل اللغة الأويغورية لغة حاكمة؟
فمن الواضح، أن الأويغور الذين هاجروا من وادي المغول إلى تركستان الشرقية انضموا لإخوانهم الأويغور من السكان الأصليين الذين كانوا أكثر عددًا، ثم أصبحت شوكتهم قوية، فطردوا التبت من أرضهم، وأسسوا دولة إديقوت.
حاصل الكلام، الأدلة السابقة تثبت، بدلالة قاطعة وبلا شك، أن شعب الأويغور هم السكان الأصليون لتركستان الشرقية، وأن تركستان الشرقية وطنهم الأم من الأزل؛ ولو أن جزءًا من الأويغور اضطروا للهجرة قبل عشرة آلاف سنة من وطنهم الأم، بسبب القحط والجدب للاستيطان في وادى الأرخون بمنغوليا وضفاف بحيرة بايقال لأسباب طبيعية واجتماعية وسياسية، إلا أنهم عادوا إلى وطنهم الأم، وإلى أحضان إخوانهم من قبيلة واحدة، واستوطنوا في آلتاي ويدى سو (في قازاقستان الحالية)، وحول جبال تنغري وحتى سفوح جبل كوئنلون وكانسو. فنقلوا عاصمتهم من منغوليا إلى تركستان الشرقية لأسباب طبيعية، ونزاع داخلي وخارجي.
وبالتالي، فإن الأويغور عاشوا في الأزمنة الغابرة في ديار الذهب (مروج الذهب كما سماه المسعودي) الذي يضم مساحات شاسعة.
فمن أراد المزيد من الأدلة والبراهين، فليرجع إلى كتاب “الأويغور” للمؤرخ الشهير تورغون آلماس، والمترجم إلى اللغة التركية الحديثة والروسية.
(2)
حول نشأة الأويغور
يعتبر الأويغور من أولاد “تورا= طوران= تِلى” من حيث نشأتهم، وكانوا إخوة من النسب مع الهون والترك، وينتسبون من حيث اللغة إلى مجموعة لغات آلتاي التركية. والشعب الذي كان يسمى قديمًا بـ”الهون” أو “الترك” عاشوا في شمال جبل تنغري وآلتاي.
عثر على مجموعة من المقابر المتعلقة التي يرجع تاريخها إلى ما قبل الميلاد في جبال آلتاي نتيجة الاكتشافات الأثرية، والمومياوات التي عثرت عليها من المقابر للهون والترك كانت طويلة القامة، وضخمة الجسم تشبه الهيكل العظمي للأويغور، فهم كانوا رفيعي الأنوف، وبياض الوجوه وأقوياء.
وتفيد المعلومات التاريخية الصينية أيضًا بأن شعب الهون طويل القامة، وضخام الأجسام، وجمال الوجوه. وعلى سبيل المثال: عثرت في مدينة شِئَنْ، التابعة لمحافظة شنشي الصينية الحالية، على مقبرة مميزة برقم 140. فمن ضمن الأشياء التى دفنت مع الميت خرجت لوحتان نحاسيتان مربعتان، ونقش صورة لرجلين وحصانين على اللوحتين، فظهرت صورة الرجلين وهما يصارعان مع بعضهما متماسكين كل منهم ظهر الآخر وساقه. فهذه الأشياء الموجودة في المقبرة تساعد على فهم عادات قبيلة الهون، ومظهرهم الخارجي في تسريح الشعر، وشكل الملابس، وملامحهم، ومصارعاتهم.
كما عثر علماء الآثار على مومياء في مقبرة أستانة بمدينة طورفان سنة 1972م، وهذه المومياء لقوتقوفانتاي، أمير الهون وحاكم مدينة طورفان في القرن الخامس الميلادي، وعُثر كذلك على أربعة أصنام مصنوعة من الطين من المقبرة التي دفن فيها الأمير قوتقوفانتاي. وهذه الأصنام كانت بسيطة وقوية مصنوعة عن طريق الكشط بالسكين. فمن ميزات هذه الأصنام أن الناس المصوَّرة في شكل الصنم كانت وجوهها ممتدة، وناصيتها عريضة متدلية الشعر. فتلك الأصنام أيضًا أبرزت خصائص قومية الهون في ملامحهم، وتشبه خصائص الهون، على لوحة نحاسية عثر عليها في مدينة شئن الصينية الحالية.
فالأمير قوتقوفانتاي كان ابن قوتقومسون، خاقان خانية الهون(397-460م)، الذي حكم في كانسو. وفي الفترة التي حكم قوتقومسون (400-432م) أصبحت خانية الهون في أوج قوتها، ووصلت مساحة حكمها إلى كانسو، وجزء من منطقة كوكنور (جنخهي الحالية) وشمال تركستان الحالية، فمنها مدينة طورفان.
ذُكر في باب “قصة حول أصحاب العربات الطويلة” من تاريخ سلالة وي الصينية المعروفة “تقويم سلالة وي” (385-534م): أن أصحاب العربات الطويلة (الأويغور) كانوا من نسل تورا الأحمر (تورا اسم الأويغور الشرقيين)، سموا هؤلاء في البداية “تورا”، فالشماليون (السلالة الشمالية الصينية) سماهم أصحاب العربات الطويلة، ولسان هؤلاء يشبه بلسان قومية الهون، وأحيانًا يوجد فرق بسيط بين لغاتهم، فأجدادهم كانوا أحفاد قومية الهون”.
وكان الأويغور في الأزمنة الغابرة قد استخدموا العربات الطويلة نظرًا للظروف الجغرافية من المراعي والصحراء والرمال لوادي المغول، لذا سماهم المؤرخون أصحاب العربات الطويلة.
وفي التسعينيات من ميلاد عيسى عليه السلام رحل كثير من قومية الهون الذين تلقوا ضربات قوية نتيجة الحروب الداخلية، واستغلال العدو هذه الحروب، إلى غرب آسيا من وادي المغول، فاستوطن جزء من قومية الهون الذين رحلوا من وادي المغول غرب آسيا في منطقة شمال مدينة كوجا. فهؤلاء الهون أسسوا دولة صغيرة عرفت في التاريخ بدولة “زباندر” في القرن الخامس والسادس الميلادي. وقيل في باب “قصة حول المناطق الغربية” لتاريخ السلالة الشمالية: “إن عادات وتقاليد ولسان هذه الدولة شبيه بأصحاب العربات الطويلة”.
وفي “تقويم سلالة سوي” الصينية (581-618) توجد معلومات واضحة عن قومية “تورا= طوران”- وهم أولاد الهون وأجداد الأويغور- عن أماكن نشأتهم، وأماكن وطنهم وعاداتهم وتقاليدهم، “فأجداد تورا قوم الهون، وأنسابهم كثيرة جدًا”. ويمكن استنتاج أسماء أماكن استيطانهم بناء على المعلومات الواردة في “تقويم سلالة سوي” الصينية كالتالي:
1- يعيش قبيلة توبا في جنوب حوض بايقال.
2- يعيش قبائل الأويغور بايريقو وبوكو وتونغرا وأركين ومونجن وتوره وإزكول وقون وخوغورسور في شمال نهر توغلا في مغوليا.
3- يعيش قبائل قالفاق ويورجي وآزي وسغناق وأوغوز وقرغيز وأنخور وجزء من قبيلة الأويغور من غرب مدينة قومول حتى أطراف جبل تنغري في شمال مدينة قارا شهر.
4- يعيش قبائل سورداش وجاروق وزابندر وتركش في الجنوب الغربي لجبال آلتاي.
5- يعيش قبائل آدز وهازار وبولغار وفجنك وقبجاق وسوار في شمال غربي قازاقستان الحالية، وفي ضفاف نهر فولجا.
6- يعيش قبائل سارغور وسانيون وجركس في شرق وغرب بحر كاسبي، ويعيش قبائل الأوغوز وآلان وباشقرد في شرق إمبراطورية الروم الشرقية. ومع أن هؤلاء سُموا بأسماء مختلفة، ولكنهم يُسمون “تورا” كاسم مشترك لهم. يعني كلمة تورا- توران كانت تستعمل كاسم عام للأويغور الشرقيين، وأحيانًا للأتراك عامة كاسم جامع لهم. وينقسم هؤلاء نظرًا لأماكن انتشارهم إلى أتراك الشرق في الشرق، وأتراك الغرب في الغرب.
نظرًا لهذه المعلومات، فإن الأماكن التي عاشها قبائل “تورا” واسع جدًا، ويمتد من غرب بحر الكاسبي في الغرب، ويتمركز في آسيا الوسطى، ويتوسع حتى ضفاف مغوليا وبايقال. ومن جهة أخرى تحتل الأدلة السابقة مكانة مهمة في إثبات أخوة النسب بين الأويغور والهون والأتراك.
وفي تقويم سلالة تانغ القديم الصينية نجد معلومات صريحة، وهي “أن أجداد الأويغور هم أولاد الهون، ثم سمي الأويغور فيما بعد بلفظ “تورا” في عهد سلالة وي الصينية”.
تتحقق اتحاد القبائل بوحدة القبائل من ناحية الدم واللغة والثقافة والعادات والتقاليد، فإذا كانت أحد القبائل قوية في اتحاد القبائل، فهو يوحِّد القبائل، ويصبح اسم تلك القبيلة للاسم المشترك بين القبائل الأخرى، لذا فليس من العجب أن يصبح اسم الأويغور- الذين كانوا أكثر عددًا وأشجع بسالة- كاسم مشترك للقبائل “تورا” الشرقية والغربية.
وسمي الأويغور قبل الميلاد بثلاثة قرون حتى القرن السادس الميلادي باسم “تورا= طوران”، ثم سمي “تورا” الشرقية الذين عاشوا فى منغوليا وحول جبال تنغري (بلاد الأويغور الحالية)، وغربه باسم “الأويغور” في القرن السابع الميلادي.
وذُكر في تاريخ (تقويم سلالة جو) (557-587م) الصينية: “إن الترك كان نسلاً متميزًا من شعب الهون”.
وذُكر في مذكرات الحجر الخالد لخاقان بلكه (716-735م) خاقان خانية قوتلوق إلترش (681-743م) حول ضفاف الأورخون: “إن الأوغوز التسعة كانوا إخوة النسب معي”. فالأوغوز التسعة المذكورة في تذكار الحجر الخالد فهو الأويغور نفسه. وفي عهد خانية الأويغور كان أويغور الشرق ينقسمون إلى فرعين: “الأوغوز التسعة”، و”الأويغور التسعة”.
كتب المؤرخ اليوناني هرادوت في مذكراته التي كتبها في سفره لآسيا الوسطى قبل خمسة قرون من الميلاد، بأن القوم الذين يعيشون هناك يسمون “الترك”. واعتبر علماء التاريخ كلام المؤرخ هرادوت صحيحًا. والمؤرخ الرومي آتتالا الذي عاش في القرن الأول الميلادي قال: “بأن السفك والترك عرق واحد”.
والمؤرخ اليوناني الذي عاش قبل الميلاد بقرون عديدة سمى الشعوب التي تعيش في مساحة غير محدودة من شمال البحر الأسود في الغرب حتى جبال آلتاي في الشرق بلفظ “السفك”.
كانت الشعوب المذكورة السابقة قريبة جدًا من جهة النسب واللغة والثقافة والعادات والتقاليد، ولعبت دورًا مهمًا في نشأة الشعوب التركية المعاصرة. وكانت عادات وتقاليد الأويغور تشبه تقاليد قومية الهون والترك.
وكان الهون والأويغور والترك يؤمنون بالديانة الشامانية من الناحية الاعتقادية، كذلك كانوا يقدسون الذئب، وكانوا يعتقدون بأنه علامة السعادة.
فالأدلة السابقة حول تشابه خصائص النسب واللغة والتقاليد والاعتقاد بين الهون والأويغور والترك يكفي لإثبات أنهم أقرباء من النسب، وأن عِرقهم ليسوا صفراء، وأن الهون والترك والأويغور يرجعون إلى أصل واحد، وهو الشعوب التركية القديمة.
ـــــــــــــــــــــــ